اسم الکتاب : زاد المسير في علم التفسير المؤلف : ابن الجوزي الجزء : 1 صفحة : 138
[سورة البقرة [2] : آية 179]
وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ يا أُولِي الْأَلْبابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (179)
قوله تعالى: وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ. قال الزجاج: إذا علم الرجل أنه إن قَتَل قتل أمسك عن القتل، وكان في ذلك حياة للذي هم بقتله ولنفسه، لأنه من أجل القصاص أمسك. وأخذ هذا المعنى الشاعر فقال:
أبلغ أبا مالك عني مغلغلة ... وفي العتاب حياة بين أقوام «1»
يريد: أنّهم إذا تعاتبوا أصلح ما بينهم العتاب. والألباب: العقول، وإنما خصهم بهذا الخطاب وإن كان الخطاب عاماً، لأنهم المنتفعون بالخطاب، لكونهم يأتمرون بأمره وينتهون بنهيه. وقوله تعالى: لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ، قال ابن عباس: لعلكم تتقون الدماء. وقال ابن زيد: لعلك تتقي أن يقتله فتقتل به.
فصل: نقل ابن منصور عن أحمد: إذا قتل رجل رجلاً بعصا أو خنقه أو شدخ رأسه بحجر يقتل بمثل الذي قتل به. فظاهر هذا أن القصاص يكون بغير السيف، ويكون بمثل الآلة التي قتل بها، وهو قول مالك والشافعي. ونقل عنه حرب: إذا قتله بخشبة قتل بالسيف. ونقل أبو طالب: إذا خنقه قتل بالسيف. فظاهر هذا أنه لا يكون القصاص إلّا بالسّيف، وهو قول أبي حنيفة [2] .
(1) في «اللسان» : المغلغلة: الرّسالة. ورسالة مغلغلة: محمولة من بلد إلى بلد. [2] قال الإمام الموفّق رحمه الله في «المغني» 11/ 508: اختلفت الرّواية عن أحمد في كيفية الاستيفاء، فروي عنه، لا يستوفى إلا بالسيف في العنق. وبه قال عطاء، والثوري، وأبو يوسف، ومحمد، لما روي عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: «لا قود إلا بالسيف» رواه ابن ماجة. ولأن القصاص أحد بدلي النفس، فدخل الطرف في حكم الجملة كالدية فإنه لو صار الأمر إلى الدية، لم تجب إلا دية النفس، ولأن القصد من القصاص في النفس تعطيل الكل، وإتلاف الجملة، وقد أمكن هذا بضرب العنق، فلا يجوز تعذيبه بإتلاف أطرافه، كما لو قتله بسيف كال، فإنه لا يقتل بمثله. والرواية الثانية عن أحمد قال: إنه لأهل أن يفعل به كما فعل. يعني أن للمستوفي أن يقطع أطرافه، ثم يقتله. وهذا مذهب عمر بن عبد العزيز ومالك، والشافعي، وأبي حنيفة، وأبي ثور. لقول الله تعالى: وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ وقوله سبحانه: فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ. ولأن النبي صلّى الله عليه وسلّم رضخ رأس يهودي لرضخه رأس جارية من الأنصار بين حجرين. ولأن الله تعالى قال: وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ. وهذا قد قلع عينه، فيجب أن تقلع عينه، للآية. وروي عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: «من حرّق حرّقناه، ومن أغرق غرّقناه» . ولأن القصاص موضوع على المماثلة، ولفظه مشعر به، فوجب أن يستوفى منه مثل ما فعل، كما لو ضرب العنق آخر غيره. فأما حديث: «لا قود إلا بالسيف» .
فقال أحمد: ليس إسناده بجيد.
اسم الکتاب : زاد المسير في علم التفسير المؤلف : ابن الجوزي الجزء : 1 صفحة : 138